تتحدث الرواية عن ناصر, وسقف كفايته, مها التي تتساوى تحتها النساء وتستحيل فوقها النساء أيضا. تعجب الفتاة المتمردة, المرتبطة مسبقا, بالشاعر الهادئ الخجول, وتتطور العلاقة إلى صداقة, فحبّ, فمأساة!
حبّ تتلاشى أيامه وهما عاجزان. أو أنّه هو العاجز. أما هي فساديّة أوجبانة, وربما كلاهما, ارتشفت حبّه حتّى ارتوت فالتفتت إلى زوجها وصفحة جديدة. أما هو فتحول إلى ماسوشيّ يقضي أيامه باجترار الوجع, ولومها على تركه حتّى قرر أن يكتب لها رواية كمحاولة أولى لاستعادتها.
رغم مقتي لشخصية واحتقاري للأخرى, ورغم تصادمي مع كليهما في بعض الأحيان, لكنّي أدمنت الرواية وأسلوبها الآسر وعبارات علوان العبقرية, وعشقت شخصية ديار, صديق ناصر العراقي, المتناقض مثلي والمتمرد مثلي أيضا.
-قالت لي أمي ذات مساء: "السماء مليئة بالنجوم ياولدي, وكلّها أساطير.هناك نجمة واحدة لك فقط, لا تلمع إلّا ليلة واحدة في العمر". وكنت أنت نجمتي التي تعلم, قبل ليلة اللمعان, أيّ رجال الأرض سيتبعها إذا نزلت, ويموت إذا أفلت.
ولم أكن أعلم أن عشق النجوم صعب, لأنها لا تبقى. ولكنه قدري!
لا يكون الحب قرارا أبدا, إنه الشيء الذي يختار اثنين بكل دقّة, ويشعل بينهما فتيل المواجهة, ويتركهما في فوضى المشاعر, دون دليل.
-لأول مرّة أشعر أن الله يظلمني.
أبكي وأستغفر, ثم أطرق في صمت والفكرة الرهيبة تقبض على دماغي بقسوة. لساني يخشى تماديه, ودبابيس الأسئلة تدمي أفكاري: لماذا كتب الله لي هذا القدر؟ لماذا أحببتك دون أن أعي ما أنا فيه من هوان وضياع؟ ودون أن أحاول اتخاذ قرار ما بشأن الهاوية التي تقترب؟ لماذا أجلّت كلّ الأشياء وبقيت أختلس حبك اختلاسا طوال سنة؟ تتخللها لحظات أفيق فيها من خدري, لأجلس معك جلسة مبتهل، أتوسّل إليك بدموعنا معا, وليس دموعي وحدي، أن تفعلي شيئاً لهذا الحب الذي ينتظر إعدامه.
لابد من تضحيةٍ ما, لابد من ضجّة ما, فالأقدار لن تمنحنا كل مانريده دون سعي.
-في الرياض يعلموننا أحيانا كيف نكون ذكورا قبل أن يعلمونا كيف نكون إنسا. تكتمل ذكورتنا قبل إنسانيتنا. ويجتهد الجميع في تلقين هذا الدرس, حتى النساء أنفسهنّ, يربّين أولادهنّ على الذكورة الصرفة.
ولم أفهم كيف يمكن لأمّ أن تربي ابنها على انتقاص بنات جنسها دون أن تدري. فيكبر الفتى وهو مستعل على النساء, وتكبر الفتاة وهي خائفة من رجل لم تعرفه. لم أفهم قطّ لماذا يعلّمون الأولاد دروس التفاضل على النساء, ولا يعلّمونهم دروس التكامل معهنّ من أجل معادلة صحيحة.
-عندما لا يمكن للحياة أن تستمر, لا بد أننا نحتاج إلى وقفة طويلة للحزن. الحياة تكره أن نتجاهل ضرباتها لنا, وترفض أن نستمر فيها دون أن نقف عندها, لنعلن انهزامنا أمام سلاحها القدري. إننا نقدم لها شيئا من الحزن كلّما احتجنا إلى مزيد من العمر, وعندما تنتهي أحزاننا, أو تتجمّد في أضلاعنا, نموت.
-ربع قرن والعراق يحترق .. ولا تفنيه النيران! هذا المارد السومريّ القديم. إنها تأكل طغاته لتنبت الأرض غيرهم, ويموت الناس ثورة بعد ثورة, وحاكما بعد حاكم, ويدفع الشعب ثمن شاطئ مليونا من أبنائه, ليتنازل عنه الكبير بعد سنوات قربان سلام, ثم يبدأ موت آخر.
-لأن الأوطان يا حبيبتي لا تستبدل في مصرف العملة, ولأن جوازات السفر لا تمحو الهويّة, ولأن الحب لا يمكن تركيبه متى نشاء, مع من نشاء, بل هو الذي يختار العشاق, ويأخذ من أنفاسهم, ونبضات قلوبهم, ويعجنها ببعض, ثم يتركهم لبعضهم, إما أن يؤمنوا أو يكفروا.
كان لابد أن نقف من أجله ضدّ كل مايعترضه. لا حبّ يأتي مع التيار يا حبيبتي. الحبّ مثل الأنبياء, يبشرّ بالسعادة, وينذر من الشقاء, ويحمل بين يديه قنديل الهدى السنيّ, ويمشي وحده في الطريق المظلم,
ولا يتبعه إلا قلة.
-كم ينقصنا من الفهم الصحيح حتى نفهم أن بعض ما نظنه مثاليةلم يكن إلا وأدا في الزمن الأخير, وأنّ ما يفصّله لنا المجتمع من مبادئ قد لا يناسب أجسادنا, فلماذا لا نفصّل مبادئنا بأنفسنا,مادام الهدف الاخير
هو ستر العورة؟
و كم تنقصنا من الشجاعة حتى نكف عن محق ابتساماتنا لتبقى ابتساماتهم, و قتل اختياراتنا لتحيا اختياراتهم, و نتوقّف عن تقديم القرابين لإرضائهم, و إطعام حريّاتنا لنار سلطتهم المقدسة. سيموتون أخيراً, و نبقى بعدهم في الحياة وحدنا, مكبّلين حتى الموت بقيودهم الخاطئة .
-الوطن الذي لا يفهمنا يشبه الوطن الذي يطردنا. كلاهما وحش. وتظل أسطورة الوطن الحلم ترهق أعصابنا وأحداقنا السرابية. إنه الهاجس الذي يؤرّق الغرباء.
هؤلاء هم الغرباء. نصفهم بكاة ونصفهم ثائرون.
وعندما يشتعل فتيل الثورة في صدر الانسان ينمو عنده الهدف الواحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق